الطيبات للطيبين: تفسير ودلالات

تفسير قوله تعالى: “الطيبات للطيبين”

قال الله تعالى في كتابه الكريم في سورة النور:

“الطيبات للطيبين، والطيبون للطيبات، أولئك مبرؤون مما يقولون، لهم مغفرة ورحمة وكان الله غفوراً رحيماً” (النور: 26).

هذه الآية الكريمة تتضمن إحدى أسمى مبادئ الإسلام في التعامل بين الناس، وتحديداً بين الزوجين، في إطار العلاقات الاجتماعية والأخلاقية التي يضعها القرآن الكريم أمام المسلمين. وفي هذا المقال، سنتناول تفسير هذه الآية الكريمة مع الوقوف على معاني الكلمات الواردة فيها، وتوضيح دلالاتها وأثرها في حياة المسلم.

1. الطيبات للطيبين: معاني الكلمات

الآية الكريمة تبدأ بتعريف النوعية أو الخصائص التي يجب أن يتحلى بها كل من الرجل والمرأة في المجتمع الإسلامي، وتوضح أن “الطيبات” هي تلك الأفعال أو الأشخاص الذين يمتلكون خصالاً حسنة وأخلاقاً نبيلة، أو يمكن أن تُفهم هنا على أنها المرأة الصالحة الطاهرة النقية من كل فساد أو سوء. بينما “الطيبين” يشير إلى الرجال الذين يتحلون بالصفات الحميدة من الصدق والإيمان والعفة والأخلاق السامية.

اللفظ “الطيبات” و “الطيبين” يعبران عن الطهارة الروحية والنفسية، التي لا تقتصر على الأخلاق فحسب، بل تشمل النية الطيبة والقلب النظيف من أي شائبة.

2. الآية ودلالاتها

الآية الكريمة تشير إلى مبدأ أساسي في بناء العلاقات في المجتمع الإسلامي، والذي يتسم بالتطابق بين النوعين؛ فكما أن الرجل الصالح يحتاج إلى المرأة الصالحة، فإن المرأة الطاهرة والطاهرة تحتاج إلى الرجل الطاهر. هذا يشير إلى أن العلاقة الزوجية يجب أن تكون متوازنة، إذ أن كل طرف يجب أن يتحلى بالخصائص التي تناسب الطرف الآخر. فكما أن العلاقة الطيبة تقتضي الإيمان والتقوى، فهي تقتضي أيضاً العفة والصدق والنية الطيبة من الطرفين.

3. مقصد الآية في بناء المجتمعات

“الطيبات للطيبين” لا تقتصر على اختيار الزوجة أو الزوج على أساس خصال شخصية فقط، بل تمتد لتشمل القيم الاجتماعية التي تساهم في بناء مجتمع إسلامي متماسك، قائم على القيم الإنسانية السامية مثل العدالة والمساواة والتراحم. وبالتالي، هذه الآية تساهم في تعزيز التكامل بين أفراد المجتمع، فكما أن المجتمع يتطلب الأخلاق الفاضلة، فإنه بحاجة أيضاً إلى سلوكيات تحترم التوازن الطبيعي بين الإنسان والمحيط الذي يعيش فيه.

4. الآية في سياق العلاقة الزوجية

من أبرز الآيات التي يتردد ذكرها في سياق العلاقة الزوجية هي هذه الآية التي تلقي الضوء على ضرورة اختيار كل من الرجل والمرأة للطرف الآخر الذي يتوافق معه في الصفات. فالرجل الذي يتمتع بالصفات الحسنة من التقى والصدق والعفة، هو أهل لأن يختار امرأة مماثلة له في هذه الصفات. وبالمثل، المرأة الطيبة يجب أن تجد شريكاً قادراً على تلبية احتياجاتها الروحية والأخلاقية.

إضافة إلى ذلك، “الطيبات” و”الطيبين” يشير أيضًا إلى الطهارة الجسمانية والنفسية، فالآية تلزم المسلم بأن يكون طاهراً في ذاته، قبل أن يفكر في الزواج. هذا المعنى يعزز من فكرة التكامل بين الطرفين في بناء أسرة سليمة تساهم في بناء المجتمع بأسره.

5. التأكيد على العلاقة الروحية بين الزوجين

تظهر هذه الآية أن العلاقة بين الزوجين ليست مجرد علاقة جسدية أو مادية، بل هي علاقة روحية وأخلاقية. هذه العلاقة يجب أن تكون قائمة على التفاهم المتبادل، والاحترام، والنية الطيبة من الطرفين. وفي ذلك، يعكس هذا التصور النموذج المثالي الذي يتمنى الإسلام أن يسود في الحياة الزوجية: حياة تقوم على الحب والتفاهم والإيمان المشترك، بعيداً عن الخلافات والشقاقات.

6. الآية وتوجيهاتها العملية للمسلمين

توجه الآية الكريمة المسلمين إلى الاهتمام بالعلاقات الطيبة والنقية في حياتهم، وذلك عبر الاهتمام بالجانب الأخلاقي في العلاقة الزوجية أو العلاقات الاجتماعية بشكل عام. فاختيار الزوجة أو الزوج بناءً على الأخلاق والتقوى لا يعد خياراً فردياً، بل هو ضرورة تقتضي من الفرد أن ينقي نفسه أولاً ليجذب إليه الطيبات. وكما أن الزواج هو أحد أسمى علاقات البشر، يجب أن يتم وفقاً لمعايير من السمو الأخلاقي، ليتحقق فيه النجاح والاستقرار.

7. الآية ومفهوم الطهارة في الإسلام

الآية “الطيبات للطيبين” تدل على طهارة القلوب والنيات قبل أي شيء آخر. الطهارة هنا لا تقتصر على الجوانب الجسدية فقط، بل تشمل التطهر من المساوئ والشرور، سواء كانت تلك المساوئ ناتجة عن الطبع أو عن النية. ومن ثم، يحث القرآن الكريم المسلمين على تحسين أنفسهم من الداخل حتى يتناسبوا مع الآخرين.

8. الآية وفضل الزوجين المؤمنين

الآية تؤكد أن الزوجين الذين يتحلون بالصفات الطيبة يشتركان في نعمة عظيمة هي المغفرة والرحمة من الله سبحانه وتعالى. فالله سبحانه وتعالى يعفو عن هؤلاء المؤمنين المخلصين ويغفر لهم ما ارتكبوه من خطايا. هذه المغفرة تتجلى في التراحم بين الزوجين، وفي الحياة الأسرية التي لا تعكرها المشاكل أو الصراعات.

9. الآية في إطار نظرة الإسلام للمرأة والرجل

من خلال هذه الآية، نجد أن الإسلام لا يرى المرأة ككائن منفصل أو أقل شأناً من الرجل، بل إن العلاقة بينهما قائمة على أساس التكامل والتعاون. فالآية تشهد أن كلا الطرفين – الرجل والمرأة – يحملان مسؤولية كبيرة في تحقيق النجاح في حياتهم الزوجية.

10. خاتمة وتوجيهات قرآنية أخرى

في النهاية، تمثل آية “الطيبات للطيبين” دليلاً قوياً على ضرورة السعي نحو الطهارة والصدق في العلاقات الاجتماعية، سواء كانت علاقات عاطفية أو عائلية. هذه المبادئ الأخلاقية التي يفرضها الإسلام تهدف إلى خلق بيئة إيمانية وأخلاقية متوازنة، ويستفيد منها كل مسلم في حياته اليومية.